**الطاعة بعد الطاعة دليل قبول الأولى والمعصية بعد الطاعة دليل عدم قبول الطاعة
**لنحافظ على ما اعتدنا عليه من أعمال البر والخير ولنحض الأهل علي الأعمال الصالحة
** المديم للعبادات يكثر التردد إلى باب الطاعة كل وقت ليجازي بالبر لكثرة تردده
** ورد الوعيد في حق من حفظ القرآن ومن أعرض بعد الوصل تعرض للذم والجفاء
لا تقتصر أعمال البر والطاعة على شهر رمضان المبارك، وان تضاعفت فيه الحسنات وتعاظم الأجر، و كان السلف الصالح رضي الله عنهم يدعون الله أن يُبلغهم شهر رمضان ويستعدِّون لاستقباله ستَّة أشهر ويُودِّعون شهر رمضان ويدعون الله تعالى أن يتقبَّله منهم ستَّة أشهر، وعلى هذا يكون العام كله عندهم رمضان، كان للحسن بن صالح جارية فباعها إلى قوم ، فلما مضى وقت من الليل أيقظتهم، فقالوا أسفرنا؟ (أى هل طلع الفجر؟) ، فقالت ألا تتهجدون؟ قالوا: لا نقوم إلا لصلاة الفجر، فجاءت الحسن تبكى وتقول: ردني، لقد بعتنى لأناس لا يصلون إلا الفريضة، فردها، هذا ما يؤكده ويحث عليه العالم الازهري الشيخ جعفر الطلحاوي.
ويرصد الشيخ الطلحاوي مجموعة من الطاعات التي على المسلم أن يلتزم بها بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، ومنها الاستقامة والدعاء بالقبول، واستدامة أعمال البر والتقوى، وخوف العاقبة، وعدم الاغترار والحرص على إدامة ذكر الله، والحذر من الانتكاسة، ودوام النفور من الكبائر والوفاء بالدين والاكثار من صوم النوافل.
الاستقامة
وعن فضيلة الاستقامة والدعاء بالقبول أشار الطلحاوي الى حديث سفيان بن عبد الله رضي الله عنه الذي قال فيه: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك" قال صلى الله عليه وسلم: "قل: آمنت بالله ثم استقم" رواه مسلم، مشيرا الى أن إن سؤال الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ وقد بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127]. والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛ وكان النبي - صلى الله عليه وسلم يكثر في الدعاء: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك)، وأهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8
التهجد وقيام الليل
ورصد العالم الأزهري العديد من الأدلة الشرعية التي تؤكد أن قيام وتلاوة القرآن الكريم دليل على عموم قيام الليل في رمضان وبعد رمضان قال تعالى :"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" الفرقان/64} وقال تعالى :" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" السجدة/16، وقال تعالى :"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" الزمر/9} وقال تعالى :" وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ"آل عمران/17. وقال تعالى :" وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"الذاريات/18 ، وفي هاتين الآتين الأخيرتين جاء الحديث عن صورة من صور قيام الليل ولا سيما الثلث الأخير وذلك بالاستغفار ، وجاء التعبير مرة بالجملة الإسمية المفيدة للثبات والدوام، كما في آية آل عمران ومرة بالجملة الفعلية المفيدة للتجدد والحدوث كما في آية الذاريات، والشاهد أن ذلك جاء عاريا من قيد زمان رمضان مما يدل على الاستمرار والدوام.
إيقاظ الأهل
وواصل قائلا: عن قيام الليل والتهجد فيه وحض الأهل على القيام ، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم طرقه وَفَاطِمَة لَيْلَة، فَقَالَ: "أَلا تصليان" مُتَّفق عَلَيْهِ. صحيح البخاري، كتاب التهجد باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ. صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب الحثّ عَلَى صلاة الوقت وإن قلَّت. طرقه: أَتَاهُ لَيْلًا، قال ابن بطال: فيه فضيلة صلاة الليل وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك. والاجتهاد والصبر على ذلك ، في رواية عن علي – رضي الله عنه – قال "ودخل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هوياً من الليل فلم يسمع لنا حساً، فرجع إلينا فأيقظنا" قال الطبري: لولا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابن عمه في وقت جعله الله لخلقه سكناً، لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدعة والسكون امتثالا لقوله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة) الآية، وَعَن سَالم بن عبد الله بن عمر [عَن أَبِيه] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: " نعم الرجل عبد الله لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل " قَالَ سَالم: فَكَانَ عبد الله بعد ذَلِك لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا. مُتَّفق عَلَيْه.
أحب الأعمال أدومها وإن قل
وأردف الشيخ الطلحاوي قائلا: لقد ثبت عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إدامة ذلك على مدار العام "في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً. صحيح مسلم، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى الله أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ".واقتدت به أم المؤمنين عَائِشَةُ – رضي الله عنها كما في الصحيح فكَانَتْ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ، وجاء التوجيه النبوي بالحرص على ذلك ولو قليلا. عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ: فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ". وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ.صحيح مسلم ..
إدامة الطاعة
ويعلل الشيخ الطلحاوي إدامة الطاعة بأن المديم للعمل أى الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات يكثر التردد إلى باب الطاعة كل وقت ليجازي بالبر لكثرة تردده، فليس هو كمن لازم الأمر مثلا ثم انقطع، وأيضا فالعامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء، ومن ثم ورد الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه، وفي الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لَا أُرِيدُ مَكَانًا مِنْ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ"صحيح البخاري.
تلاوة القرآن
وعن تلاوة القرآن الكريم جاء الحديث فير هذا الشأن كما يقول - الشيخ الطلحاوي- ليجدد حدوثه دوما فقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ" فاطر/29-30} .
وهكذا فلنحافظ على ما هدانا الله تعالى إليه من أعمال البر والتقوى، فذلك دليل قبول الصيام والقيام. فالطاعة بعد الطاعة دليل قبول الأولى، كما أن المعصية بعد المعصية عقوبة على المعصية الأولى، والمعصية بعد الطاعة دليل عدم قبول الطاعة والعياذ بالله ولنحافظ على ما اعتدنا عليه من أعمال البر والخير قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ} . [الرعد (11) ] . أي: لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يُغِّيروا ما بأنفسهم فيعصوا ربهم..
وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للشيخ/ جعفر الطلحاوي لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.